ماذا لو كانت قشرة الأرض شفافة ؟

من رحمة الله بالإنسان أن غلّف له هذه الأرض المسعّرة نارا في باطنها بغلاف صخري غير شفاف مهد له به الحياة على ظهرها وحجبه به عن هول المور الذي لا ينقطع عن دواليبها. فكيف يتجلى مشهد هذا المور بين إخبار الوحي وكشوفات العلم؟

جاءت الإشارة إلى مور الأرض في القرآن الكريم مقرونة بحدوث الخسف فيها وذلك في قول الله تعالى: (ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) (الملك 16). والخسف كما جاء في القاموس المحيط هو عموق ظاهر الأرض. وخَسَف المكانُ أي ذهب في الأرض. وخسَفَ الشيءَ أي خرّقه.

إذن خسْف الأرض يعني إحداث خرق هائل فيها يصل السطح بعمق باطنها. أما المور الذي جاء في قوله تعالى: (فإذا هي تمور) فهو عند العرب، كما جاء في القاموس المحيط، الموجُ والاضطراب والجريان، وقيل أماره أي أساله. وقد جاء عرض القرآن الكريم لمشهد المور في الأرض كنتيجة حتمية ومباشرة لوقع الخسف فيها، إذ جاء التعبير عن علاقة السببية هذه بواسطة الفاء الفجائية (فإذا) التي دلت على  فجائية الحدث ورعب المشهد. فماذا تحمل هذه الإشارات القرآنية من أسرار ودلالات إعجازية بخصوص باطن الأرض الذي كما يجلّيه لنا القرآن إذا اطلع عليه الإنسان وجده سائلا هيْجان يمور بفعل الموج والجريان؟

لما استجابت الأرض لأمر خالقها تكثلت مكوناتها وتجاذبت طائعة لربها ثم تلاحمت في صهارة حامية تكورت في فضاء الكون إلى أن استقر بها المقام في مدارها حول الشمس. ولغاية سبقت في علم الله شاءت قدرته تعالى أن يظل موقعها من الشمس ملائما لتبرّد سطحها وتصلب قشرتها التي ارتفع سمكها تدريجيا إلى أن لبّس الأرض غلافا صخريا حفظها من خطر انتثار جوفها المثقل بالحرارة والضغط. وبفعل الطاقة الهائلة المنبعثة من باطن الأرض والتي يولّدها النشاط الإشعاعي الذي يُصدر تدفقا للحرارة من مركز الأرض إلى سطحها، ظلت هذه القشرة خاضعة لتأثير التفاعلات الحاصلة في ذلك الباطن المائر. فظهرت على إثر ذلك تصدعات في القشرة تفجرت منها سيول الصهارة التي تدفقت عبر فتحات تحددت بموجبها التقطعات التي ستشكل الحدود الفاصلة بين قطع السطح والتي من فجواتها سيعمل النشاط البركاني على ربط الصلة بين باطن الأرض وسطحها.

هذه القطع المسماة في علم الجيولوجية بالصفائح التكتونية (tectonic plates) هي أجزاء من الغلاف الصخري للأرض المسمى ليتوسفير الذي يصل سمكه إلى ما بين 60 و150 كلم. وهي عبارة عن ألواح متحركة بمحاذاة بعضها تطفو على الصهارة اللزجة لنطاق الضعف الأرضي المسمى أستينوسفير الذي يمتد في باطن الأرض إلى عمق 700 كلم ويتميز بانصهار مكوناته وبوجود تيارات حمل حراري تجعل صهارته لا تنقطع عن المور والدوران. مما يبقيه على سيولة عالية تسهّل تحريك قطع الغلاف الصخري على ظهره. بل ويُعتقد أنه المحرك الأساسي لها نظرا لما ينتجه جريان الصهارة فيه من طاقة محركة لما فوقه. فنظرا للزوجتها العالية وضعف كثافتها، تنزع مادة هذا النطاق إلى الصعود إلى الأعلى في الوقت الذي تبدي فيه المواد العلوية المحاذية للقشرة نزوعا إلى الهبوط بفعل ارتفاع كثافتها وانخفاض حرارتها. فتتحرك بذلك تيارات حمل حرارية تمدد الصهارة الحامية وتصعّدها إلى الأعلى حيث تتدفق من فجوات السطح الحاصلة بين قطعه المتجاورات فتمدها بحركة حثيثة لا تكاد تتجاوز بضع سنتمترات في السنة.

هذه الحركة التي تشهدها قطع سطح الأرض استنتجها علماء الجيولوجيا من دراستهم لتاريخ التغيرات المغناطيسية لسطح الأرض التي بينت طبيعة المد الأفقي الذي يخضع له سطح الأرض وحقيقة سريانه بإيقاع متناغم مع فاعلية باطن الأرض التي تفرز مادة السطح بتدفقات الصهارة التي تلقيها عليه. إذ تعتبر هذه التدفقات المتتالية سببا في حدوث تلك التغيرات المغناطيسية المتعاقبة على امتداد تاريخ الأرض. فصعود الصهارة المحملة بالمعادن الممغنطة في شكل حمم بازلتية من عمق الأرض ثم إلقاءها على السطح فتبردها وتصلبها على جنبات خطوط الصدع الفاصلة بين قطع السطح خلال مراحل تكوينها جعل بلورات المعادن الممغنطة تأخذ مواقعها في صخور السطح المتصلبة كلا في اتجاه الحقل المغناطيسي الأصلي لفترة إلقاء الصهارة وتصلبها. وهذا مكّن البحث الجيولوجي من إدراك حقيقتين أساسيتين:

  • الأولى تجلت في رصد تغير الشمال المغناطيسي للأرض من قطب إلى آخر على تعاقب حقبها الجيولوجية المعدة بملايين السنين.

  • الثانية تجلت في إبراز طبيعة المد السطحي للأرض الذي يبدو حسب اصطفاف هذه الأحزمة المغناطيسية على سطح الأرض كبساط يُطلق من موضع طيه الكامن في عمق الأرض حيث الصهارة تمور ليتدحرج على ظهرها مع حركة القطعة التي تمده مكونا بذلك قشرة تقسو ويزداد سمكها كلما ابتعدت عن خط الصدع الذي منه تتدفق. وذلك أحد مشاهد مد الأرض الذي ذُكر في آيات كثيرة من كتاب الله.

وبذلك توضحت المفاهيم حول كيفية تسطيح الأرض التي دعانا القرآن الكريم إلى النظر فيها. فأدرك الباحثون أن العملية تبدأ بتدفق الصهارة من بين قطع الأرض المتباعدة كما يظهر على خط صدع وسط الأطلسي الذي يعزل قطعتي أمريكا وأفريقيا والذي يبدي على مستوى خط الاستواء تكاملا في الشكل ما بين الحافة الغربية لأفريقيا والحافة الشرقية لأمريكا الجنوبية. كما أدركوا أنها تنتهي بانضواء أطراف تلك القطع أو تضاغطها في الجهات المعاكسة عند خطوط التصادم التي تفضي إما إلى انزلاق طرف إحدى القطعتين تحت الأخرى وانصهاره في باطن الأرض عند خطوط الانضواء وإما إلى ارتفاع سمك الأطراف المتصادمة وبروز المرتفعات الجبلية عند خطوط التضاغط كما هو مشاهد على الطرف الغربي لأمريكا الجنوبية حيث تبرز سلسلة جبال الأنديز على طول خط التدافع بين صفيحتي أمريكا الجنوبية والمحيط الهادئ.

وهكذا تُبدي عملية المد الأرضي مشهدا يُظهر جانبا مهما من جوانب نمو قشرة الأرض عند أطرافها المتباعدة حيث الصهارة تتدفق وتقسو وجانبا آخر من جوانب تقلصها حيث التصادم يفضي إلى انضواء طرف إحدى القطعتين في عمق الأرض المنصهر فينقص بالذوبان في أنيارها وإلى ارتفاع سمك الطرف المقابل المضغوط عليه وتكوّن سلاسل جبلية كلما تجاوز ارتفاعها حدا معينا أتت عليها عوامل التعرية السماوية بالبري والنقصان. وتستمر العملية في تناسق بديع بين جانب تنشأ فيه قشرة الأرض وجانب تفنى فيه. فيكون سطح الأرض بمثابة بساط من قطع تنمو عند أطرافها المتباعدة وتنقص عند أطرافها المتدافعة وما نقص من هذا الجانب يُزاد في الجانب الآخر وفق حلقة مغلقة قُدر فيها عمر مادة السطح بين نشوءها وفناءها بحوالي 200 مليون سنة.

هذه الحركية الدائبة لقطع سطح الأرض تدل على أن هناك تصاعدا مهولا لحالة الانصهار التي يوجد عليها باطن الأرض يسجل في اتجاه المركز الكائن في النواة ويعطي لكوكبنا صفة كتلة متماسكة تتصاعد فيها الحرارة والضغط والكثافة من السطح إلى النواة. فيبقى السطح صلبا حتى يضمن حفظ مكونات الأرض،  ويبقى باطن الأرض ورغم ما به من انصهار منجذبا نحو المركز. فلو حدث وتفسخ هذا السطح لفُقد التماسك الحاصل بين مكونات الأرض المنجذبة نحو باطنها ولتفجرت أثقالها من فرط الضغط الشديد الذي يختزله باطنها. وهو المشهد الذي نجد الإشارة إليه واردة في قول الله تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها) (الزلزلة 1-2).

ولإلقاء مزيد من الضوء على هذا المشهد دعنا نلامسه من خلال ما شاهده العلماء في قيعان البحار. من أجل فهم ما يجري تحت ماء البحر من تفاعلات حرارية (Hydrothermalisme)كان لا بد للاكتشافات العلمية من الوصول إلى أعمق النقط في قيعان البحار. وهذا مكّن كبريات الرحلات الاستكشافية لأعماق المحيطات بعد الحرب العالمية الثانية من اكتشاف سلاسل من البراكين في عمق 3000 متر تحت سطح البحر تمتد في شكل حزام يبلغ ارتفاعه بفعل التراكمات البركانية من 2000 إلى 3000 متر. هذا الحزام الذي يصفه الجيولوجيون بحزام النار هو عبارة عن سلسلة من الصدوع في القشرة الأرضية تتفجر منها سيول الصهارة التي تتدفق عبر فتحات تتحدد بموجبها التقطعات الفاصلة بين قطع سطح الأرض، والتي من فجواتها يعمل النشاط البركاني على ربط الصلة بين مستويات باطن الأرض النارية ومياه البحر التي تغمر ثلثي مساحة سطح الأرض.

فإذا علمنا بأن هذا الحزام الناري يغطي هو وتشعباته تحت البحار 150 مليون كلم مربع أي ما يناهز ثلث مساحة المحيطات، علما بأن امتداداه في اليابسة لا يقل أهمية عن هذا القدر، فإننا سنقف على مشهد يجلّي لنا السطح عبارة عن قطع متجاورات يلعب فيها عامل الصدع الدور الأساسي، وهو ما سبق لكتاب الله أن أشار إليه في قوله تعالى: (والأرض ذات الصدع) (الطارق 12) ذلك المشهد الذي لم يتمكن العلم البشري من الاطلاع عليه إلا بعد التقدم الهائل لوسائل الكشف عن سطح الأرض.

فمن هذه الصدوع تُلقى صهارة باطن الأرض على قاع البحر. فتفرز كميات هائلة من الغازات والمعادن الذائبة، ثم تتصلب في شكل حمم بركانية على جنبات تلك الفتحات مكونة بذلك ما يعرف في علم الجيولوجيا باسم الصخور النارية أو البركانية.

 بموازاة مع هذه العملية تنجرف كميات هائلة من المياه البحرية عبر التشققات الحاصلة في هذا الحزام إلى باطن الأرض المنصهر، فترتفع حرارتها وتتزود بمعادن مختلفة من جراء تحليلها للصخور الباطنية. ثم تعود هذه المياه صاعدة، حتى إذا بلغت مستوى السطح الصخري لقاع البحر، حيث الانخفاض المفاجئ للحرارة، تفجرت بمحاليلها في شكل تدفقات معدنية تصل حرارتها إلى 300 درجة مئوية، تتدفق من مضخات عملاقة (Fumeurs) قابعة في قعر البحر، حيث تم حديثا اكتشاف كائنات غريبة تحيى على مخلفات ما تفرزه البكتريا من تحويل هذه الإلقاءات. وهذا المشهد الملتهب لقيعان البحر، نجده مجسدا في كلمة شاملة جامعة، وردت في قول الله تعالى: (والبحر المسجور) (الطور 5). فقد جاء في كتاب التخويف من النار لابن رجب الحنبلي (ج: 1، ص: 47) أن آدم بن أبي إياس روى في تفسيره عن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: قال علي ليهودي: أين جهنم ؟ قال: تحت البحر. قال علي: صدق ثم قرأ وإذا البحار سجرت. وخرجه في مواضع أخر منه وفيه ثم قرأ والبحر المسجور. وخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي العالية عن أبي بن كعب وإذا البحار سجرت (التكوير) قال: قالت الجن للإنس نأتيكم بالخبر فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج.

فإذا أقررنا بما كشفت عنه العلوم الحديثة من تصاعد للحرارة والضغط من سطح الأرض إلى باطنها. وتحسسنا ذلك من مختلف المستويات المشكلة لطبقاتها، فسنجد تدرجا تصاعديا للحرارة والضغط يجسده هذا التطابق الذي يجعل كلا من هذه المستويات الباطنية المتراكبة على بعضها، والتي تُقل في جزء كبير من سطحها البحر، عبارة عن أنيار تغلي بصهارة باطن الأرض التي تمور. بحيث تجد الضغط في عمق 1 كلم في باطن الأرض يصل إلى 275 وحدة جوية. وفي عمق 50 كلم يصل إلى 13000 وحدة جوية. أما الحرارة فترتفع بمعدل 3 درجات مئوية في كل 100 متر من عمق باطن الأرض. فكيف يمكن أن نتصور الأمر في مركز الأرض الكائن في نواتها إذا علمنا أن المسافة الفاصلة بين سطح الكرة الأرضية و نواتها تقدر بحوالي 6370 كلم.

هذا عن التفاعلات الحرارية للأرض، أما عن خصائصها البنيوية، فنعرف أن السطح مكونٌ من قطع متجاورات كما نجد الإشارة إلى ذلك واردة في قول الله تعالى: (وفي الأرض قطع متجاورات) (الرعد 4). هذه القطع لا تفتر عن الحركة والمحرك الأساسي لها هي تلك الفاعلية الباطنية للأرض التي تتجلى آثارها في الزلازل والبراكين التي هي نتيجة حركات التباعد والتدافع الحاصلة بين قطع السطح.

هذه الحركات إذا تمت في شكل تباعد بين صفائح السطح، نتج عنها إفراز مواد الأرض الباطنية التي تساهم بشكل كبير في التطعيم المعدني لماء البحر. أما إذا تمت في شكل تدافع بين الصفائح، وهو ما يجري في الأطراف المعاكسة، أدى ذلك إلى انزلاق أطراف الصفائح المتدافعة (subduction). فإذا كان التدافع حاصلا بين صفيحتين إحداهما برية والأخرى بحرية، غاصت أكثرهما ثقلا وهي البحرية نظرا لتشكيلها من صخور البازلت ذات الكثافة العالية، مقارنة مع الجرانيت. فانصهرت موادها تدريجيا في باطن الأرض وتحررت المياه المخزنة في مساماتها لتذوب في صهارة باطن الأرض.

وهكذا تتفاعل هذه المياه كيماويا مع صهارة باطن الأرض حتى إذا أكملت دورتها في دواليب بطن الأرض وبلغت مناطق التباعد بين الصفائح عادت أدراجا لتتفجر من جديد مع الصهارة المتدفقة في شكل عيون حمئة محملة بشتى المعادن. وكأننا بمضخات ماء في أعماق البحار منها تتدفق المياه الحارة عند مناطق التباعد بين الصفائح، وعبرها تنجرف من جديد عند مناطق التدافع، في دورة دائبة بين قاع البحر ودواليب باطن الأرض.

هذا الماء الذي ينجرف إلى عمق الأرض يشكل عنصر الأساس في تفعيل عمليات توليد الطاقة في باطن الأرض، تلك الطاقة التي تبقى المحرك الأساسي لقطع السطح. فإذا اعتمدنا المعدل النظري لارتفاع الحرارة من السطح إلى الباطن والذي قُدر في سمك القشرة بحوالي 30 درجة مئوية في كل كيلومتر من العمق، فإننا سنصل في مركز الأرض إلى ما يقارب 200000 درجة. وهذا غير ممكن لأن تحليلات الصخور الملقاة من صهارة باطن الأرض عبر البراكين تعطي قياسات لا تتجاوز 4000 درجة. مما يدل على أن هناك ثمة عوامل تساهم في امتصاص الحرارة فتحُول دون سريانها بنفس الوتيرة التصاعدية من السطح إلى النواة. ومن أهم هذه العوامل التي أثبتها البحث العلمي وجود الماء وعدم التجانس في التركيبة الباطنية للأرض.

ففيما يخص تأثير الماء، فإن تحليل الإلقاءات البركانية على سطح الأرض دل في مناطق الانضواء التي تشهد انزلاق أطراف قطع القشرة البحرية تحت البرية على حدوث تحولات مختلفة في تركيبة الصخور المنضوية يصاحبها إفراز كميات هامة من الماء. وتؤدي هذه التحولات عند خطوط الانضواء إلى تحويل صخور البازلت بفعل الضغط المرتفع إلى Amphibolite في مرحلة أولى، ثم إلى Eclogite في مرحلة أخرى مع إفراز الماء من الصخر عند كل مرحلة بكميات هامة. مما يجعل هذه التحولات الصخرية المرتبطة بارتفاع الضغط في عمق الأرض تتم عن طريق إشباع مختلف النطق الباطنية للأرض بالماء. فتنخفض الحرارة بذلك ويساهم الماء في تفعيل عملية التحلل المعدني عن طريق إضعاف مجال استقرار المعادن وبالتالي في تليين الصهارة التي تصير عبارة عن بحار تمور في مسالك الأرض الباطنية. وهذا يساهم في الإبقاء على لزوجة نطاق الضعف الأرضي الذي بفعل كثافته العالية يحمل الغلاف الصخري للأرض ويسهل حركة قطعه المتجاورات.

أما فيما يخص عدم التجانس في تركيبة باطن الأرض، فقد لاحظ المختصون في تحليل الصخور البركانية الملقاة على سطح الأرض وجود بقايا صخرية من الغطاء الأرضي (وهي الطبقة التي تحت الغلاف الصخري للأرض) محشوة في الحمم البركانية. هذه البقايا التي تعود تركيبتها إلى صخور Péridotites الغنية بمعدن Olivine مكنت تحليلاتها من تمييز ثلاث تركيبات مختلفة1:

1- Péridotite à plagioclase 2- Péridotite à spinelle 3- Péridotite à grenat

الشيء الذي أظهر أن الغطاء ليس له تركيبة متجانسة ولكنه يتناضد في ثلاث طبقات تتراكب فيها صخرة Péridotite في ثلاث تركيبات محددة بمستويات الضغط المتصاعد التي تعطي في الأعلى التركيبة 1 ثم تحتها في مستوى ضغط 10 إلى 15 كيلوبار التركيبة 2 ثم في الأسفل حيث يصل الضغط إلى 20 كيلوبار التركيبة 3. مما يجعل هذه المستويات تشهد عند كل مرحلة ذوبان مركبات المرحلة التي تعلوها وزيادة السوائل التي تمتص الحرارة وتخفّف من وطأة التصاعد الحراري في مستويات باطن الأرض التي تبقى عبارة عن بحار من صهارة تمور.

فإذا قُدّر للإنسان وخرق خرقا في السطح يصله بباطن الأرض المتوهج نارا –وهو الأمر المستحيل إذ أن أكبر ثقب خرقه الإنسان في الأرض لا يتجاوز عمقه عمق شوكة صبار في جسم حوت- لرآه يمور مورا. وذلك ما جاءت به الآية الكريمة محور هذا المقال لتُجلّي له ما الأرض تخفيه عنه. فكيف بهذا الإنسان الذي يُحمل على سطح مشيد من قطع تطفو على جحيم من صهارة تمور أن يتطاول على ربه استكبارا وهو سبحانه الذي يمسك بزمام هذا السطح ويرسيه أن يميد تحت أقدام الخلائق أو أن يتفسّخ فيهوي بهم في أنيار الحرائق. ثم كيف بهذا الإنسان أن يمشيَ على الأرض مرحا والله يبدي له ما الأرض تخفيه عنه من حجُب لو اطلع عليها لظل أبد الدهر معلق البصر مضطرب البال واجف القلب من هول ما هو عليه.

وهكذا من خلال هذه الرحلة الاستكشافية لأعماق الأرض التي كان الدافع إليها حب الاستطلاع لفهم حقيقة المور الواردة في كتاب الله، رأينا كيف يمكن للبحث العلمي أن يفتح آفاق التفكر ويستنهض همة الإنسان. فالدين والعلم شيئان متلازمان لا يمكن فهم أحدهما وحسن استثماره إلا من خلال حسن قراءة الآخر. ومن هنا نجد أن الآية الكريمة لما خاطبتنا بقول الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)(فاطر 28) إنما تكون شوقتنا إلى العلم وحفزتنا إليه بمنة الترقي في مراتب الخشية من الله، إذ أن العلم يشكل سُلّم الترقي في درجات الكمال الموصلة إلى حقيقة الخشية منه سبحانه.

من أجل ذلك جاء القرآن الكريم بإشارات علمية متجددة على رؤوس آيات كونية متعددة لتكون دافعا إلى هذا الترقي. فكانت عبارة « تمور » التي جاءت على رأس الآية الكريمة كلمةً جامعة مانعة أجملَ الحق فيها سبحانه بأسلوب غاية في الإيجاز وآية في الإعجاز كل مواصفات باطن الأرض من خصائص الاحترار  والانصهار إلى ظواهر الموج والاضطراب والجريان. ليدلنا سبحانه من خلال هذه العبارة على حقيقة ما تخفيه الإشارة مما لم يكن بإمكان أحد مهما بلغ من العلم أن يصل إليه بالرؤية المباشرة اللهم إلا بالاستقراء التحليلي الغير مباشر.  وهي ظاهرة المور التي اختزل الخطاب القرآني في عبارتها بسبقه العلمي وتحدّيه الخارق لعلوم البشر كل ما اكتشفته علوم الإنسان بخصوص باطن الأرض منذ عقود من الجهد العلمي والبحث الميداني. وتلك إحدى معالم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

المراجع

1- BELLAIR R. et POMEROL C. (1977) : Eléments de géologie. Ed. Armand Colin, 527 p.

Lire aussi

LE « POÈTE » RADICAL QATARI IBN AL-DHEEB PERSONA NON GRATA EN EUROPE

Le « poète » qatari ibn al-Dheeb, de son véritable nom Mohammed Rashid Hassan Al-Ajami, qui habite …

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *