يا إلهي … ما هذه الفوضى ؟

Gerald Darmanin Photo Jacques Paquier, CC BY 2.0 , via Wikimedia Commons

 فوضى المواقف الفرنسية المتضاربة إزاء القضايا المستجدة.

منذ بضعة اشهر، يراودنا شعور ان القرارات الحكومية الفرنسية تؤخذ مرتجلة  على وجه السرعة، قصد إعطاءإجابة سريعة لحدث يهز العالم بأسره، إنها ردّة الفعل بدل التفكير.

المماطلة حول موضوع ارتداء الكمامة في بداية الوباء، اغلاق المكتبات والابقاء على  محلات بيع الخمر مفتوحة، فتح منتجعات التزلج والابقاء على المصاعد الميكانيكية فيها مغلقة

التحرير المستعجل للمادة 24 من مشروع قانون « الامن الشامل » و تداعياتها المعروفة

تحديد سعة أماكن العبادة بـ 30 شخصا، بينما مئات الزبائن بإمكانهم محاذاة بعضهم في المحلات التجارية والأسواق، …الخ

مراسيم وقوانين اثارت تساؤلات المواطنين ورفضت في آخر المطاف من قبل مجلس الدولة( الهيئة العليا التي تنظر في التشريعات المتنازع عليها )

وضعية لخصها المفكر « بوالو  » في علاوة : « اسرع ببطء وتأنٍّ… »

موضوع الإسلام في فرنسا لم يكن استثناء، حيث تم خلط السرعة بالاستعجال في ملفاته. فبعد مقتل المدرس « صامويل باتي » تخبطت الحكومة في قرارات تبدو اعتباطية و غير مدروسة: بدء باغلاق مسجد مدينة « بانتان » بسبب ان احد مسؤوليه كان قد شارك على صفحته الخاصة ( وليست صفحة المسجد)  شكوى الاب الذي احتج من خلال مقطع فيديو على تصرف المدرس « باتي » حين عرض رسوم كاركاتير  « جريدة شارلي » التي تمس نبي الاسلام في فصل ابنته ، الاحتجاج الدي افضى للقتل المشين للمدرس للأسف.

ثم جاء طلب وقرار حل الجمعية الاغاثية « بركة سيتي » والجمعية الحقوقية (س.س.ا.ف) الإئتلاف ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا.

فبالنسبة لهذه الاخيرة، بغض النظر عن كون هذه الخطوة عديمة الجدوى، بما ان الكل يعلم انها ستعود للظهور تحت اسم آخر، فإن الأوساط المقربة من وزارة الداخلية تُقِرّ خفية ان السبب الحقيقي وراء هذا التفكيك كان راجعا لاسم المنظمة ، لأن هناك رغبة في إنكار وجود الإسلاموفوبيا، وهو ذائع في أوساط اليمين المتطرف الذي استوعب ايمانويل ماكرون في حركته جزءا من أفراده

فليرجع القرّاء الى مقالات جريدة الفرنسية اليمينية القيم الحالية valeurs actuelles : « الهجرة، البديل الاكبر، ماكرون يعيد في سرية معادلات اريك زمّور و رونو كاموس » « المحاور: اـسلا ـ مو ـ فو ـ بيا » حسب الصحفي مارك اندويلد ـ « المتلاعب الاكبر » 2019

و الامر لم يتوقف عند هذا الحد ، بل أخذ منحى خطيرا حيث أن أطفالا مسلمين في عقدهم الاول تم وضعهم تحت الحراسة النظرية بتهمة « مساندة الارهاب ».

وهو ما دعا 38 مفكرا يهوديا او من اصل يهودي، بقيادة الطبيب والناشط » روني برومان » الرئيس السابق لأطباء بلا حدود، الىًكتابة عريضة احتجاج صحفية  قارنوا فيها تلك التوقيفات بتلك الانتهاكات التي عاشها الأطفال اليهود تحت حكم الماريشال « بيتان » حيث تم ادانتهم ومن ثم ارسالهم الىًمعسكرات الموت

 و كانت  الوثيقة التي وجهها تلك الشخصيات بمثابةًقرع لناقوس الخطر للتحذير من المنحى الذي يأخذه الامر والذي لابد سيؤول اليه إن لم يتم تداوك الأمر وتصحيحه

  : تقول العريضة

« يجب حماية الأطفال المسلمين وغيرهم »

الطفولة لا يمكن ان تُعامل بالإدانة  بل بالتربية بالحماية

منذ اغتيال سامويل باتي ، اتُهم مئات الأطفال والمراهقين بمساندة الإرهاب ، وتم إبلاغ السلطات رئيس بذلك أمام العدالة . بعضهم ورغم انهم مازالو في طور التعليم الابتدائي  الا أنهم أمضوا يومًا كاملاً في الحجز  ، واستمع إليهم في مركز الشرطة. وقد تم تفتيش واستجواب آخرين ، أحياناً لمجرد حيازتهم ورقة عليها كتابات باللغة العربية.

[…]

« …اننا اليوم ومنذ أكثر من عقدين ، نشهد تسارعًا في استهداف الأقلية المسلمة في فرنسا. وهاهي اليوم تتخذ منعطفاً مخيفاً اليوم ، في فترة لا تزال تتراكم فيها مشاعر الغضب  لدى الفئات الدنيا اجتماعياً.

مواقف الحكومة وإجراءاتها تعمق كل يوم الانقسامات داخل المجتمع في وتيرة يبدو عليها مايشبه الحرب أكثر  من عملية تهدئة وحماية جماعية. نحن أعضاء المجتمع المدني ، اليهود أو من أصل يهودي ، ندعو إلى وقف هذا المنطق القاتل… »

اشكاليات المجلس الوطني للديانة الاسلامية و هيكله الجديد « مجلس الائمة « 

إن التعامل مع  » المجلس الوطني الإسلامي للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية CFCM  « يمثل العديد من الصعوبات التي سيتعين على الحكومة حلها. حيث يرجع السبب الأول إلى تشكيلة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية واتحاداته التسعة التي لا تزال بعيدة كل البعد عن تمثيل واجماع شامل لجميع الجمعيات والمساجد في فرنسا

بل إن المفارقة هي أن تعتمد الدولة على المجلس كشريك أساسي بينما يتهم وزير الداخلية قبل ايام بعض مكوناته بأنها ليست « جمهورية » بما فيه الكفاية ، مثل فدرالية التبليغ  » الإيمان والتطبيق »  ، و « مسلمو فرنسا » المحسوب على فكر الإخوان المسلمين ، وميلي غوروش المتهمون بقربهم من أردوغان.

إذن، إذا تم استبعاد أو انسحاب أحدها، ماذا سيتبقى من المجلس؟

وإذا كان هدف الهيكل ااجديد « مجلس الائمة » هو اعتماد الأئمة والترخيص لهم ، فكيف سيتم التعامل مع الأئمة الأحرار الذين لا يتموقعون في تلك الفيدراليات المكونة للمجلس وما أكثرهم

وهم العاملون مناصبهم منذ سنوات ، والذين لم يحصل يوما إدانتهم او التشكيك في احترامهم للقانون الفرنسي وتشجيعهم على الانفتاح والعيش المشترك

فهل سيقبل هولاء  أن يتم « المصادقة عليهم » من طرف مجلس هم لا يؤمنون بشرعيته ولا بكونه جامعا .

 بالفعل، أعضاء  المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية هم إداريون في أغلبهم يسيرون أماكن العبادة، لكن ليس لديهم  تكوين ديني يعطيهم المصداقية لاعتماد إمام أو رفضه.

وبالفعل فقد قامت أئمة معروفون بعلمهم وشهرتهم مثل طارق أوبرو ومحمد باجرافيل  (وكلاهما قبل التعاون شخصية حكيم القروي مستشار إيمانويل ماكرون الذي حاول ان يؤسس لهياكل جديدةًلتنظيم شوون مسلمي فرنسا من خلال جمعيته AMIF ) بالإعلان رسميا عن عدم ثقتهم بمشروع المجلس الوطني للائمة .

خلال خطابه عن « الانفصالية الاسلامية » في مدينة « لي ميرو les Mureaux بداية اكتوبر ، أبدى إمانويل ماكرون نيته في محاربة الإسلام « القنصلي » ، لكنه كان يعلم في الوقت ذاته أن الاتحادات التي تشكل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بـ « البلدان الأصلية » بل بعضها خاضع خضوعا لا يخفى على أحد لبعض الجهات الممثلة لتلك البلدان . فكيف سيتم إذن حل هذه المعضلة؟

كيف يتم بناء اسلام فرنسي مستقل بعيد عن هذه التجاذبات التي تسعى من خلالها دول كالمغرب وتركيا والجزائر الى الاحتفاظ بشيء من الهيمنة من خلال دعم بعض مكونات الاسلام الفرنسي

كيف سيتم أخيرا إيجاد حل لهذه الالتباسات ؟

ألا يعدّو « اعتماد » الأئمة  و »المصادقة » عليهم كما يرى الكاتب الفرنسي « فرانك فريغوسي »، مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية ، محاولة لخلق « رجال دين » مسلمين جمهوريين، مما يتعارض مع مبدأ علمانية للجمهورية (وحيادها تجاه الاديان)؟

و زيادة على هذا الالتباس: كيف  للمنظمة الحكومية « مؤسسة إسلام فرنسا  FIF » ، التي يراسها « غالب بن شيخ ، ذات الصبغة الثقافية لا الدينية، و التي لا تتمتع بعلاقات جيدة بمسؤولي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية،  أن تُختصّ ببعض المهتم المستقبلية المتعلقة بتكوين الأئمة ؟

و للعلم فقد أبدى -يوم الاثنين 9 نوفمبر وفي آخر التطورات على المستوى الاوروبي – شارل ميشيل، رئيس الاتحاد الأروبي، تأييده لإنشاء معهد أوروبي لتدريب الأئمة.

يبدو أن الساسة في فرنسا وأوروبا يطبقون مقولة اشتهرت  في سلسلة كرتونية اشتهرت في اواخر الستينيات تدعى   « لي شادوك »   (1) : « لماذا تبسط الأمر ، طالما

 يمكنك جعله معقدا « 

——––––––––––––––––––––––––––––––––

(1)لي شادوك: نوع من الطيور تتسم بالغباوة والشر ،  أبطال مسلسل رسوم متحركة ناجحة تحمل نفس الإسم تم بثها على القناة الفرنسية الأولى  عام  1968 وما بعده.

Lire aussi

L’ORGUEIL ET LA SURESTIME DE SOI, PAR CHEIKH OMAR DOURMANE

L’orgueil est une maladie qui peut atteindre les êtres humains, mais aussi les groupes ou …

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *