الأب فانسون فيرولدي رئيس الخدمة الوطنية للعلاقات مع المسلمين. تعمل هذه الخدمة للكنيسة الكاثوليكية لفرنسا على تحفيز اللقاءات و التحاور بين المسلمين و الكاثوليكيين، و تدريس الكاثوليكيين على المعارف الإسلامية و الحوار العالمي بين الديانات و تدعيم كل رجال الأسقفيات الذين يعملون على تطوير العلاقات بين الكاثوليكيين و المسلمين بالأخص المسؤولين المسلمين في فرنسا. تنشر الخدمة الوطنية. للعلاقات مع المسلمين مقالات لمجلة الحوار
من تنظيم جون ميشال بران
مرّ عامٌ على مشاركتك في مؤتمر باريس الدوليّ للسلام والتضامن. هل تعتقد منذ مشاركتك الأخيرة أنّ العلاقات بين الديانات تغيّرت و هل هو الحال كذلك بالنسبة للعلاقات بين الدين و السياسة ؟
مؤتمر باريس الذي أقيم في سبتمبر عام ٢٠١٩َ، ليْس مناسبة عشوائية. عندما نرى أفكار و مساهمات الأمين العام لرابطة الإسلام العالمي محمد العيسى منذ تولّيه المنصب، نلاحظ أنّه أوفى بوعوده الّتي قدّمها منذ إعادة تأسيس الرابطة. و قد أكّد على مبادئه من خلال مؤتمر باريس للسّلم. و مثَّل هذا المؤتمر الّذي ضمّ ممثّلي ديانات التّوحيد، المجتمع الّذي نعيش فيه لأنّه ترك المجال لحوارات فيلسوفية و كذلك إجتماعية. و هذا النشاط المُزدوج دليل على أنّ السّلطات الدينية من ديانات مختلفة مؤمنة بضرورة التفكير سويّا و إصدار إجابات حَول تحديّات العصر الّذي نعيش فيه.
من بين هذه التحدّيات هناك مسألة العنف و الإرهاب و التخاصمات العالمية و كذلك المسألة الكبيرة حول التعايش بين الأفراد في وقتٍ يحتلّ فيها الشّخص الموّلع بالهوية مكانا لا يَجدُر لَه أن يكون . الكلّ يدافع على مساحته الخاصّة و على قِيَمه الّتي يزعم أنّها تخصّه بمفرده، و بالتّالي يقوده ذلك للأسف إلى الإنغلاق على العالم . أصبحت كيفية التعايش مسألةً حقيقيّة. و يُضاف إلى هذه المسألة فقدان الثقة بالسياسيين و القوّات الخاصّة. هناك أيضاً مسألة البيئة و المحيط . تَبقى كلّ تلك المسائل تحديّات تُطرَح لنا و الّتي تمّ تداوُلُها في مؤتمر باريس .
و في الوقت الّذي كنّا نستعد فيه لمواصلة المِشوار بتنظيم رِحلة مع مسؤولين بِمُعتقادات مختلفة إلى أوشفيتز في مارس ٢٠٢٠ ، وجدنا أنفسنا في صِراعٍ جديد. الصراع الجديد عبارة عن شيء لم نتصوّره و لم نتوقّع أن يحدثَ يوما. في الحقيقة، لم يستعدّ أحد و لم تستعِد أيّة دولةٍ لمواجهة جائحةٍ في القرن الواحد و العشرون أيْ في زَمَنٍ تُهيمِنُ عليه مواقع التواصل الإجتماعي وَ أصبح فيه حديث الهِجرة متداولاً يوميًّا و َجعلت وسائل النقل العالمَ فيه يبدو كقريةٍ صغيرة .كانت الجائحة بالنسبة للحكومات العالمية بمثابة صدمةٍ عنيفة حيث كانوا عاجزين على التعامل بشكل مُفيد مع جائحة لم يسبق لها مثيل. و لكن تعلُّمنا هذه الأزمة بالرغم من كلّ شيء أنّه لا يمكننا حلّ مشاكلنا بمجهودٍ فردي بل علينا العمل سويّا من أجل إيجاد الحلول.
و في الحقيقة ، تُعدّ هذه الجائحة مشكلةٌ مِن مشاكلنا الإجتماعية. علينا، بلْ وَجَبَ علينا (لأنّ هذا ليس من تلقاء نفسنا) التفكير و العمل سويًّا من أجل تحدّي الصعوبات الّتي يواجهها أفراد زمننا و مختلف الطائفات. لِنأخذ مؤتمر باريس على سبيل المثال. أسَّس مؤتمر باريس علاقات أخَوية بين المسلمين و اليهود و المسيحيين. و جاءت الرحلة إلى أوشفيتز تُتَوّج هذه العلاقات و هي ليست الوحيدة، فلقد عملنا سويّا في قضايا أُخرى تخصّ كيفية التعامل مع الجائحة و تمكينن الأفراد من أنسابٍ و ديانات مختلفة مِن قضاء شعائرهم و الإحتفال بمناساباتهم الدينية و َ كيف نُلائم البدلات الدينية مَعَ اللوائح الصحيّة. و تعلِّمنا هذه الجائحة أيضاً تجاهل الطائفية أيْ أن يقول الفرد «أنا مسلم» أو «أنا مسيحي» أو يهودي ، بل يجب أن نرى بعضنا البعض كمواطنين مُؤمنين. وَ من مسؤولياتنا تذكير السّلطات و مُمَثّلي الرّأي العام أنّ النظام الفرنسي وَ الّذي يهّمنا، هو النظام الّذي يقبل المواطن بِصِفته مواطناً قبل كلّ شيء. و يجب حثّهم أيضًا على أن يعدّدوا زوايا رؤياهم بحيث أن يرواْ الفرد بصفته مؤمناً و مواطناً في نفس الوقت و أن يدركوا أنّه يمكِنُ للصِفتين أن تجتمعا معًا في شخصٍ واحد. من المؤسف أن يطرح البعض قضايا استفزازية و تخاصمية في مجتمعٍ تَكنُزُ ثروته في تعدّد الديانات و التيارات الفيلسوفية و الآراء السياسية. بالإمكان أن نمني النفس بِأنّه بالرغم من سوء الوضع، وَقَعَ تبادلٌ في الأفكار في الأشهر و الأسابيع الماضية من أجل اقتراح للسّلطات مشروعٍ للتعايش في المستقبل من خلال الإحترام المتبادل.
ما هي بالضبط المشاريع المستقبلية المُتَفّق عليها بين المسيحيين و المسلمين؟
يوجد نشاطات بخصوص موضوع السّلم الدولي و العالمي بشراكة المسلمين و المسيحيين معًا.
نعلم أنّه يوجد على الصعيد العالمي اتّصالات و لقاءات بين الفاتيكان و رابطة الإسلام العالمي. و سأذكرُ ماذا جرى في فرنسا في شهر نوفمبر الماضي حيث استغلّ الأمين العام لرابطة الإسلام الفرنسي إيجازَته في باريس للتوجّه إلى رووان و سان إيتيان من أجل زيارة قبر الأب آميل. و أراد الحظّ أن تتزامن هذه الزيارة مع زيارة بعض الشباب من الكشّافة الّذين أتواْ بعد عودتهم من بيت لحم حيث وُلِد المسيح عيسى في العقيدة المسيحية. و جاء الكشافة حاملين معهم نور بيت لحم الخاصّ بليالي الكريسماس. و كانت هذه المناسبة فرصةً للكشافة المسلمة أن يلتقوا بزملائهم الكاثوليكيين و البروتيستان في حفلةٍ تحمل معها الأمل و الأخوّة.
و لقد عشنا أيضا هذه الأخوّة إثرَ الحادثة المأساوية للإنفجارِالّذي هزّ بيروت حيث قدّمنا مع رفقة المسلمين مساعدات مالية و ماديّة و كذلك روحانية إلى قومٍ منغمي مِمّا شاءه القَدر. و من تلك المساعدات، نُدرك أهميّة التضامن العالمي بين الديانات.
ولقد وَصَلَنا في الفترة القليلة الماضية نبأ إصدار الأب فرونسوا لرسالةٍ بابويّة جديدة. وَ تعتبر الرسالة البابوية مناسبةً مهّمة في الديانة المسيحية. و ستدور الرسالة حول موضوع الأخوّة و المَحّبة الإجتماعية. لم يختار الأب فرونسوا تاريخ الإصدار بالصدفة، بل اختاره بعد الأزمة الّتي سبّبتها الجائحة و نظرا لأهميّة مسألة الهجرة. و سيعبّر النصّ على إرادة الكنيسة الكاثوليكية للمشاركة عالميًا في الحوارات الدينية والمتعلّقة كذلك بمسألة التعايش في عالمٍ يسوده العدل و التضامن و كذلك الأخوّة.
رأينا مع ذلك تصريحات رئيس الجمهورية و الوزير الأوّل حول المساس بالوحدة الوطنية و الإسلام السياسي ، هل هذا يعني انعزال السياسة عن قضايا الدين؟
أحضى بالعمل يوميًّا في هياكل متعلّقة بالدولة. كنت باختصار قصّيصًا في إحدى المستشفَيات. كنت أعمل يوميًّا منذ عشرين عاما. أذكر هذا العَمل الّذي اعتمد على ثقتنا المتبادلة. لم يكن مجرّد عمل بل كان مسؤولية مشتركة حيث عملنا سَويًّّا على تلبية حاجات
المَرْضَى و المسجونين.
للأسف نعيش في عالمٍ تلعب فيه و سائل الإعلام و التواصل و مواقع التواصل الإجتماعي دورًا مُهّمًا حيث تقع السياسة و النضال السياسي في قلب الحدث. نعيش في زمنٍ كلّ ما يهّم فيه هو الحاضِر و يحدُثُ أحيانا أن يُؤثّر الكلام السياسي على التفكير العميق. فأصبح الرّأي العام اليوم مبني فقط على العبارة الصغيرة الّتي تبتدىءُ بها صحافة نشرة الثامنة و ليس على معرفة حقيقة العالم المُعَقّدة.
عندما نحلّل تصريح رئيس الجمهورية حول الديانات حيث التقى بأفراد من ديانة يهودية، بروتيستانية، كاثوليكية و مسلمة، لا نلاحظ أيّ استفزاز للديانات بل على العكس، يريد الرئيس أن تتضامَن الديانات مع بعضها و أن تكون ناشطة و أكثر مِن أجل إيجاد حلول لمشاكل عصرنا. للأسف تُهيمن على الرأي العام كلّ المستجدّات الّتي تمرّ على نشرة الأخبار و الجرائد أي عبر جميع وسائل الإعلام ممّا قد يخلُقُ عدم الإحساس بالأمن و عندها يستنجد المجتمع بالسياسيين و الإعلام بدل التفكير بتعمّق في المشاكل المطروحة. الأمر مؤسف لأنّه يجب أوّلاً طرح الإشكالية من دون خوف أوْ تعقيد و عدم الإكتفاء بالمعلومة الصغيرة و البسيطة في عشرة أسطر الّتي تجيب على إشكاليات تستحقّ التعمّق أكثر فيها.
بالمناسبة، ما رأيك في الحملة السياسية الحالية حول الإسلام و المساس بالوحدة الوطنية؟
كانت المسئمة شعوري الأوّل بعد هذه الحملة مع العلم أنّ السيّد دارمانين من أصول مسلمة و فكّر حول هذه القضية و أصدر في الأعوام القليلة الماضية بيانا حول هذا الموضوع. بعد شعوري هذا، أدركت أنّ الرجل السياسي أصبح يحضى بأهميّة أكبر مقارنةً بالرجل المفكّر. تسرّع الوزير الأوّل في الإجابة على إشكالية واقِعةٌ حاليًّا. كان يُستحسن لوْ قام بتهدئة الوضع و تصحيح الإشكال بدل ممّا فعل. عبارة المساس بالوحدة الوطنية و الإسلام المتطرّف و الإسلام السياسي و الإسلام المُتعصّب و كذلك الطائفية لا تعني شيئا إذا لم ندرس المعنى جيّدًا. يدور الحديث حول قانون ضد المساس بالوحدة الوطنية. كيف يمكن إصدار قانونٍ كهذا من دون مناقشة المعاني المتعدّدة الّتي تحملها عبارة المساس بالوحدة الوطنية ؟ كلّ ما أتمنّاه هو أن يفكّر النّاس قبل التصرّف و أن لا يزيدوا الطين بلّةً.
القضايا الّتي تخصّ الإسلام ليست بالجديدة خاصّةً بعد حادثة شارلي إيبدو. يجب بطبيعة الحال مواجهة الحقيقة : الإسلام السياسي قضيّة مطروحة و لكن يجب تمييز الإسلام السياسي عن العقيدة الإسلامية. ما قامت به صحيفة شارلي إيبدو من إعادة نشر الكاريكاتورات هو فِعلٌ سياسي كما يُعتبر سياسياًّ الأفعال الّتي تقوم بها بعض التيّارات المسلمة لأنّ السياسة جزءٌ من حياتنا الفردية؛ و لكن يبقى هنالك فرقٌ بين ما يتعلّق بالإيمان و القلب (سَواءًا كانت الديانة يهودية أو نصرانية أو مسلمة أو حتىّ الإلحاد) و ما يتعلّق بالسياسة.
ألا ترى أنّه في المناسبة الحالية و هي ذكرى العيد ١٥٠ للجمهورية الثالثة، هناك إرادة لردع قانون ١٩٠٥ و العودة إلى اللائيكية المتطرّفة على طريقة إيميل كومب؟
يجب أوّلاً دراسة المجتمع الفرنسي لرؤية ماذا يكوّن هذا المجتمع اليوم. هذا يعتبر امتحانا حقيقيا للكنيسة الكاثوليكية لأنّها ترى ما تأكّده الدراسات الحديثة ألا و أنّه هناك ملحد أو محايد دينيٌّ من بين إثنين في فرنسا. إذا رجعنا في السيتينيات و السبعينيات ، كان المسيحيّون إن لم أقل الكاثوليكيون يمثّلون نسبة ٦٠ أو ٧٠ أو حتّى ٦٧بالمئة من المجتمع. أصبح المجتمع الفرنسي متعدّد الثقافات و الديانات. أصبح الإلحاد (وَ أعتذر عن قولِ هذا مباشرةً) يمثّل أغلبية المجتمع بالتقريب.
هناك حقيقة أخرى و هو أنّ الفئة المسلمة أقلّ عددا من الفئة الكاثوليكية و المسلمون أكثر ممارسةً لدينهم مقارنة بالكاثوليكيين. و هذا يدفع الكاثوليكيين للتساؤل عن فشلهم في إيصال عقيدتهم لأطفالهم كما يدفعهم الحديث عن احتمالية وقوع دولة فرنسية مسلمة و ما يعرَف ب«التغيير الأكبر» و ما غير ذلك إلى القلق و لوْ أنّ كلّ المعلومات الصادرة عن الدراسات الديموغرافية حول إسلام الدولة الفرنسية في ٢٠٥٠ خاطئة!
كما أنّه طالما وُجِد تيار علماني و تيار لائيكي و تيار لائيكي متطرّف، و ذلك مُنذ بداية القرن العشرين. أستعمل هذه المصطلحات الثلاثة لأنّها تشرح مُجتمع اليوم. بِصفَتي مواطناً يحضى بكلّ فوائد العلمانية ، أدافع عن علمانيتي الناتجة عن قانون ١٩٠٥. و هي العلمانية الّتي تُمكّن الأفراد في التعايش فيما بينهم.
و لكن يقومُ ما أسّميه أنا بالتيار الائيكي المتطرّف باعتراض قانون ١٩٠٥ و تطبيقه الجازم. و على سبيل التذكير فإنّ قانون ١٩٠٥ يُجبر الحكومة على ترك الحريّة للأنساب و المواطنين من ديانات مختلفة لممارسة دينهم بشرط أن لا يقفوا في وجه السّلطات. يريد التيار الائيكي المتطرّف ردع الدّين من المحيط الشّعبي و إبقائه في الحياة الخاصّة للأفراد. و التياّر الائيكي المتطرّف تيّارٌ ناشط يجيد استعمال وسائل الإعلام لإيصال أفكاره. أكيد يبقى من حقّ هؤلاء أن يبدوا رأيهم و لكن من مسؤوليتنا أن نُسمع صوتنا بقوّة و الحرص على أن لا تقوم فئة بصوتٍ أعلى من صوتنا بزعزعة من يمثّلنا مِن نُوَابٍ و أعضاءٍ في مجلس الشيوخ.
هل هذا يعني أنّه لا حَول و لا قوّة للسياسيين أمام بعض التيّارات الشّعبية؟
لنأخذ على سبيل المثال السترات الصفراء. لم تنتج هذه الحركة من السياسيين و لا حتّى حزب فرنسا المتمردة. استطاع الشّعب أن يعترض استقرار مجتمعنا بواسطة وسائل الإعلام فقط . تمكّن السياسيون بعد ذلك بالتحكّم نوعا ما في زمام الأمور لأنّهم مقرّبون من وسائل الإتّصال بِبساطة. و لكن يجدر بالتّأكيد القلق حول المشاكل الّتي تبقى مطروحة.
هل توجد هناك عادة فرنسية في اختراع ناس متّهمين؟ كان اليهود هم المُتّهمين عبر التّاريخ و الآن حان دور المسلمين. هل هناك مجالٌ للصراع ضدّ التعصّب؟
أُوافق على هذا السّؤال فأنا مِن أصول إيطالية و لقد كان الإيطاليّون قيل الحرب العالمية الثّانية مُتَّهَمين عُنصُريًّا. و لكن أفضّل كلمة تحدّي عن كلمة صراع لأنّ الصّراع يَحتوي دائمًا على على غالبٍ و مَغلوب ، إلاّ إذا كان المغلوب هو التطرّف…
يجب احترام الآخر حتّى لو لم نوافقه الرّأي. و منذ أن أصبحت مُكلَّفًا في إيطار العلاقات بين المسيحية و الإسلام، أدركت أهميّة العمل الجماعي بالأخَصّ العلاقات الّتي تربط بين الأفراد. لا يمكن لأفرادٍ من أصولٍ و ثقافات متعدّدة مواجهة و إنشاء التحدّيات و القيام بنشاطات إذا لم يثقوا في بعضهم البعض.
عند تنظيم مؤتمر باريس، كان يشكّك البعض في مُشاركة رابطة الإسلام العالمي بالأخصّ نواياها الصّادقة وَ المُخلِصَة. و لكن لماذا هذا الظّن؟ أقول دائمًا: لا نحكم على كتابٍ من غلافه. بُنِيَ المُؤتمر على الثقة و الإحترام المتبادليْن. يكمن الإحترام في ظلّ التعاون و النشاطات المشتركة لأنّه يجب العمل معا و ليس الإكتفاء بالكلام فقط. و بالمناسبة تضمّن المؤتمر إمضاء نصّ من قبل أعضاءٍ من الديانة اليهودية و المسيحية و المسلمة مَعًا. و كان النصّ يدور حول حريّة الدّين و حريّة العبادة و كذلك حريّة التفكير. نعلم أنّه في بعض الدُوَل العربية ، تُطرح مسألة الإبقاء على حريّة التفكير في النصوص الدستورية كما عاد الجدل في فرنسا حول إعادة تطبيق الحكم بالإعدام. يبقى قانون ردع الإعدام سنة ١٩٨١ً مناسبة كبيرة في حياتي كمواطن فرنسي لِذا يجب الإستمرار في المقاومة من أجل عالمٍ أفضل. يعمل المسلمون و الكاثوليكيّون معا و أتمنّى أن يستمرّ الأمر على هذا النحو. نفتخر بالنشاطات الّتي نقوم بها كنشاطاتنا الحديثة مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية و شراكتنا مع رئيس المجلس محمّد موساوي. و بالمناسبة، سنقوم بإصدار كتاب يتضمّن الكلّ النصوص الخمسين حول العلاقات المُثمرة بين المسلمين و المسيحييّن. و سيتضمّن الكتاب بالأخصّ مُذكّرة للصداقة و الإتّفاق المُمضي عليهما في مؤتمر باريس. و ستكون مقدّمة الكتاب بكتابة كلٍّ مِن محمد موساوي و السيّد جون مارك آفلين المُشرِف على رئاسة مجلس العلاقات الدينية العالمية.
و سَتَشهد سنة ٢٠٢١ حفلاً كبيرًا في روما بمناسبة ما يُعرف بِتقديس شارل دي فوكو الّذي كان جنديًّا ثمّ رُهبانًا و الّذي عاش في الجزائر وَ تَوَفِيّ في تمنراست. نرى في حياته تطوّرًا في علاقته مع المسلمين. و تُثير هذه المناسبة اهتمامنا لأنّها ستدفع الكنيسة الكاثوليكية لمساعدة الجميع إضافةً إلى الكاثوليكييّن على التفكير في علاقات شارل دي فوكو مع المسلمين بالأخصّ التوارق الّذي أدرك من خلالهم أنّ لديه الكثير ليتعلّمه منهم.
و نعمل في الأخير مع مُفكّرين مسلمين و مسيحييّن على إصدار بعض المنشورات حول فكرة مناداة الإله أو بالأحرى كيف ينادي المؤمن ربّه. الأمر ليس بالهيّن. لكلِّ لفظٍ معنًا، و يختلف المعنى حسب الديانات.
سَأُضيف إلى ذلك أنّ كنيسة فرنسا منحتني ٣ سنوات للتفكير في موضوع البيئة. تُريد خداماتنا التفكير مع المسلمين حول المجتمع المُلائم الّذي نوّد أن نعيش فيه لأنّ جائحة كورونا قد تكون نَقَلتنا إلى عالمٍ جديد. هل ستعود الأمور في النهاية إلى طبيعَتِها؟ أو هل سَنُضطّر لاختراع حُلولٍ جديدة؟ هذا هو الرِهان في المُستقبل القريب.