«لستُ مسلمةً !» الشهادة المؤلمة على العنصريّة التطبيعية:
منذ أن تمّ استدعاء سكان المغرب العربي بكثافة لإنقاذ شركاتنا في السيتينيات، و منذ الوقت الّذي سبّبت فيه سياسة منح الإستقلال الحقد في قلوب بعض محنّي الإستعمار، تبقى قضية اندماج ذوي الأصول العربية قضيةً مطروحةً باستمرار. إلاّ أنّ منذ ذلك الزمن، أغلب هؤلاء قد أصبحوا فرنسيين بمعنى الكلمة.
لا ينتمي إطلاقا إلى الصورة النمطية للإسلام…هو يأكل لحم الخنزير و يشرب الخمر»… يتذكر الجميع تصريح بريس هورتوفو عندما كان وزيرَ الداخلية لنيكولا ساركوزي وَ الّذي قدَّم في كاميرات التلفزيون مؤيّدًا لتيّاره من أصول مغربيّة ثمّ صرّح :« لابدّ أن يكون هناك واحدا منهم. لا بأس بأن يتواجد واحدٌ فقط. تقع المشكلة عندما يكون هناك الكثير».
السّؤال الّذي يفرض نفسه هو: هل يجب إنكار الفرد لهويّته، ثقافته، دينه، و أن يتصرّف «كالآخرين» بشربه ربع لترٍ من الخمر وأكله السُّجق كي يصبح «فرنسيًا صالحاً» ؟ هل يمكن على الفرد أن يصبح «عربيًّا صالحاً»، كما كان بإمكان للرجل ذو البشرة السّوداء أن يكون «زنجيًّا صالحًا»
الحديث عن «فرنسا الأرض المستضيفة» و عن حريّة التفكير يخفي حقيقةً أخرى ألا و هي تقبٌّل الآخر بشرط أن يكون خفيّا، و كذلك معاناة أولئك الّذين يحبّون فرنسا و لا يَحِسّون بالشعور المتبادل.
____________________________________________________________________________
شهادة:
«أنا ملحدة، حذاري!»
هي طريقة غريبة لتقديم نفسه للغير!
مع ذلك ، هكذا هي عادتي منذ قدومي إلى فرنسا منذ ١٥ عامًا.
فرنسا، بلدُ الحريّة و الديموقراطية، ذلك البلد حيثُ كلّ الديانات مسموحة؛ ذلك البلد صاحب التاريخ المحزن الّذي يحاول منذ ٧٠ عامًا أن يطوَى صفحةً سوداء و أن يعيد بناء نفسه.
قام هذا البلدٌ بفتح أبوابه لكلّ من يريد أن يعيش في أرضه مهما كان أصله أو ديانته…..
هذا البلد الّذي يزعم أن يكون مدافعًا للعلمانية أي حريّة التّصديق و عدم التّصديق.
هل هذا صحيح؟ أكيد و لكن على الورق بالأخّص!
لأنّ الحقيقة مختلفة…
أهوى فرنسا، صدّقوني
أنا عاشقة للرّاية ذات الألوان الزرقاء و البيضاء و الحمراء، صدّقوني. لديّ واحدة منها على شرفتي و أخرى فوق مكتبي.
و أتذكّر بالرغم من هذا: ٣ أشهر بعد مجيئي إلى هذا البلد الغالي، قام زوجي بدعوة بعض من أصحابه الفرنسيين «الأصليين» كما يقال.
قمت بتحضير بعض الحلويات مع الشّاي بالنعناع؛ زيّنت مائدة حديقتنا وكانت آن ذاك بداية الربيع. كنت مرتديةً سروالًا بنيًّا فاتح اللّون و كنت مرتديةً ثوبًا أبيضًا منطبقًا مع الفصل. كنت مبتسمةً… مشتاقةً للتعرّف على أُناسٍ جددٍ بالرغم من أنِّي لم أكن أتقن اللـّغة الفرنسية.
تفرِض عاداتنا تحضير الإستقبال للضيوف.
و وَصَل الضيوف عندنا.
و عندما خرجوا للتوّ من السيّارة، كانت كلماتهم الأولى لزوجي المولود مثلي في الجزائر:
ـ«حسنا إذًا، أين هي فاطمتك؟ ههههه»
كنتُ بالجوار! كانُوا يبحثون عنّي و أنا أمامهم!
ـ«حنان؟ إنّها هي!»
ـ«آه عذرا سيِّدتي، كنتْ أتوقّع إمرأةً متحجّبةً…هل تسمحين أن نتبادل القِبل؟»
أنا: بالتّأكيد! مرحبًا بك سيّدي.»
التفت الضّيف إلى أخيه، نسيبه و أخته و نسيبته و أخته قائلًا :
ـ«هاي، إنّها تسمَح بالقِبل!»
حاولوا أن يكونوا ظرفاء و لكنّي شعرت بالذّل.
بعدها ،اجتمع الكلّ حول المائدة.
عندها تعجَّبَت امرأة قائلةً : « هاي ما ألّذ هاته الحلويات! ممم…هل هنّ أكل حلال؟ لا آكل الطعام الحلال.»
سبقتُ الجميع بالقهقهة. لم أسمع من قبل بحلوياتٍ أو شايٍ حلال!
مع ذلك راودني سؤال: هل يُعقل أن يرمز هؤلاء إلى الأكل الحلال و الدّين….و قد جاؤوا للتوّ؟
كنّا نشرب الشّاي..نأكل .. نتحدّث مع بعضنا حتّى أخرج رجل من ضيوفنا علبة سجائر خاصّة به وأشعل سيجارةً ثمّ نظر إليّ.
-«هل تدخنين؟»
-«لا»
-«لقد نسيت، أنت مسلمة، لا يسمح عندكم للمرأة بالتّدخين!
ثمّ واصل:
-«هل تصلّين؟»
ـ أنا: «لا…ليس بالضرورة»
هو: « أجل و لكن لا تدّخنين، إذن أنت مسلمة. ما هو رأيك في الإخوة المسلمين ؟ هل تساندين الفيس!
غضبت كثيرا. كيف يمكن أن يطرح عليّ هذا السّؤال؟ أنا، المرأة الّتي نجت مرتين كرهينة و مرّةً من هجوم إرهابي! كيف يجرأ أحدٌ على سؤالي إذا ما كنت أساند الإرهاب، أولئك المجرمون الذين قتلوا الكثير من أفراد عائلتي و استعملوا ديننا لتبرير جرائمهم.»
كيف يمكن أن يُطرَحَ عليَّ هذا السّؤال؟ أنا الّتي كان أبوها ضابطًا قد جازف بحياته لمحاربة إرهاب الجماعة الإسلامية المسّلّحة و الفيس!
شعرت بالإهانة و العار الشّديد علمًا أنّ زوجي لم يقل أيّ شيء.
نهض زوجي وأحضر قارورة خمر مكتوب عليها الرّقم ٥١ .
قاموا بتناوله.
لم تكن النسّاء الحاضرات يشربن من الخمر، و مع ذلك قام نفس الشّخص الّذي قدّم إليّ السيجارة بتقديم إليّ كأسا من الخمر.
أجبته بأنّي لا أحبّ رائحة الباستيس (فأنا لا أحبّ رائحة نبتة النافع)
ماذا كان ردّه؟ «آه آسف، نسيتُ أنّك مسلمة.»
بقي كلامهم يدور و يدور في رأسي مع مرور الأيّام. لم أشعر أبدًا، وأنا في سّن ٢١، بالخجل لكوني ما أنا عليه. قام أولئك الأشخاص بجعلي أحاول أن أخجل من نفسي.
أسبوع بعدها، قمنا نحن بزيارة أصدقائنا.
أريد أن يقبلني النّاس، لا أريد أن أكون مرفوضة لكوني ما أنا عليه أو ما قد أبدو أن أكون ؛مختلفة بلأحرى. بالتّالي قمت بشراء علبة سجائر قبل المجيء و وضعتها في حقيبتي. كانتا يدايا تترتجفان لأنّها كانت المرّة الأولى الّتي أشتري فيها علبة سجائر.
و بعدها قلت لزوجي: « يجب أن نحضر لهم قارورة من الكحول و باقةً من الأزهار كي لا ندخل فارغي الأيدي.
وصلنا و تمّ استقبالنا بحسن كبير؛ و مع ذلك لم يزِل هناك الكلام الجارج، من دون قصد بالتّأكيد! و لم تزل تلك النظرات الغريبة. أشعر كأنّي مخلوق فضائيّ.
قام واحد من أصدقائنا بإشعال سيجارة و سرعان ما قمت بتقليده.
ـ« أوه، هل تدخنين يا خنان؟ ( و: كأنّ إضافة خاء إلى لقبي يجعل إسمي عربيًّا ) أحسنتِ! بدأتِ بالإندماج. أحسنتِ!
كنتٌ أشعر بالإلتهاب في حلقي و الدوران في رأسي. كنت أريد التقيّأ.
ـ«هل تريدين كوبًا من الخمر؟»
-أنا: «أجل، أشكرك»
-كانت شفتاي تحتّك مع المشروب. إنّها أوّل مرّة تلتمس شفتاي فيها الكحول.
أدركت عندها أنّ محاولة الإندماج و إثبات أنّي لست مسلمةً متعصّبة و خطيرة هو القيام بالتّدخين بالنسبة إليهم. و أنّ شرب الخمر يعني للفتاة أن تكون فتاةً مُحترِمَةً للبلد الّذي يستقبلها، و أن تستحّق رِضا الجميع كباقي الفتيات.
إبتساماتهم، تصرّفاتهم كانوا يعنون بوضوح: «جيّد، أحسنتِ. الآن، أصبحتِ واحدةً منّا.»
و منذ ذلك اليوم، كنت كلّ مرّة أتَواجد فيها مع فرنسيّ «أصيل»…(بالرغم من أنّي لم أفهم أبدًا معنى «أصيل»، و لكن لابأس بذلك…)، أُخرج علبة السجائر الخاصّة بي. بعبارة أخرى، كنت أحاول إثبات إنتمائي للمجتمع.
مع مرور السنين، تعلّمت أن أنتقد ديني و أن أسّب المسلمين لأنّ إنكار الملّة و الإيمان و الثقافة يعتبر رمزا لحسن الإندماج.
أصبحت مدخّنة الآن ( لا أصدّق أنّ أغلب الفرنسيين يحاولون التوّقف عن ذلك!)، و أطلب الخمر و لحم الخنزير في المطاعم كي لا يٌظَّن بي أنّي أساند الإسلام المتطرّف و الإرهاب و كي أثبت أني مسالمة.
أصبحت الآن ،عندما يسألني الجميع عن أصلي، أحذّرهم : «أنا ملحدة، حذاري!» كي لا أنال غضب و حُكم، و سّوء ظّن النّاس.
بعد مرور شهر من قدومي إلى فرنسا، كنت قد أخذت موعدًا مع طبيب أخصّائي في أمراض النسّاء. سألتني امرأة في قاعة الإستقبال عندما سمعت لهجتي:
ـ«من أين أنت؟»
ـ«من الجزائر سيّدتي»
-«ألا تخجلون من ذبح نسّاء و أطفال في بلدكم؟»
أصبحت مشلولة، كنت أسترجع صور الإرهاب يقتلون ابناء و بنات عمومي و عمّاتي و أبناء و بنات أخوالي و خالاتي و جيراني.
و يأتيني هذا المشهد يوميًّا، صدّقوني.
تعلّمت التأقلم مع ذلك: من أجل زيارة منزل للكراء، إيجاد عمل، أعرف الطريق: «أنا ملحدة، لست مسلمةً، لست لصّةً.»
أحبّ فرنسا؛ المكان الّذي اخترت أن أعيش فيه. أحبّ الفرنسيين.
و أنا مسلمة و فخورة بذلك. الإسلام عِلم و تعليمٍ و فلسفةٍ و منهج للحياة. الإسلام سِلم و حبّ كباقي الديانات الّاتي هدايتنا مسعاهنّ.
و لكن لِم وجوب الكذب لحماية أنفسنا؟
الفرنسيون ليسوا هم المسؤولين عن ذلك. بل هما الجهل و الحكم المسبق.
و لكن هل تقوم الأعضاء المسؤولة عن الإسلام الّذين يتكلمون باسمنا، بواجبهم حقّا و المتمثّل في حمايتنا و حماية ديننا؟
سأوّجه لهم بعض الأسئلة:
ـ لماذا تتركون الخطب لمجانين ينادون للعدوان بإسم الإسلام؟
ـ لماذا تتركون الإعلام يحكم علينا و يلطّخ سمعتنا؟
لِم كلّ تلك الصراعات المستمرّة والخلافات السّخيفة من أجل كرسيٌ عديم الفائدة، بَدَل أن تساندونا و تدافعوا عنّا؟
لماذا لا يمكنم العمل معًا، و الإتّحاد من أجل إقصاء كلّ الأئمة الجهلاء و تكوين أئمة ذو كفاءات و ضمان مستوى تعليٍم عالٍ.
لماذا تتركون شبابنا في أيدي الشيوخ المتطرّفين و «شيوخ غوغل» أو «علماء ٢.٠» و «مفتون الكباب»؟
بسبب كلّ هذا، أٌجبِرت على إخفاء إسمي العربيّ من أجل إسمٍ فرنسيِّ مستعارٍ. أَسميتُ ابنتي «آميلي» بدل من آمال، أنا مسلمةٌ لنفسي و ملحدةٌ لغيري!
سأواصل على الأقّل حبّ هذا الوطن و الدفاع عن فرنسا الّتي تنتمي إليّ َو الّتي ليس عندها أيّ لونٍ أو بشرةٍ أو دينٍ؛ و تقبَلُ و تُدافِعُ مَعَ ذَلك على كلِّ ألوان البشرة و كلِّ الديانات.
المتكلّمة: حنان.
(تمّ تغيير الأسامي من أجل الحفاظ على أسرار المتكلِّمة)